في المعرض 29 للخط العربي بالشارقة
47 لوحة تقدم صفة جمالية لهوية عربية جامعةيطرح معرض الخط العربي لدورته التاسعة والعشرين الذي تقيمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في مقرها بمنطقة التراث بالشارقة، ويستمر حتى نهاية هذا الأسبوع بمشاركة ثمانية عشر خطاطاً ورساماً قدموا سبعة وأربعين عملاً؛ يطرح فكرتين أساسيتين ما زال البحث فيهما جارياً منذ بداية سبعينات القرن الماضي وإن اختلف المسمى النقدي.
تتمثل الفكرة الأولى في لوحة حروفية خالصة، من دون أي أثر للفنون التشكيلية المعاصرة، أي أنها قد انبنت، تأسيساً، على جملة المقاييس الهندسية والسيمترية الكلاسيكية كما هي الحروفية العربية بوصفها فناً عربياً خالصاً من دون شوائب، مهما تعددت مدارسها من عراقية أو شامية أو مصرية أو سودانية أو مغربية.
فاللوحة هنا، تأخذ حداثتها الخاصة من الجانب التقني، أنها قد انتزعت من وظيفتها الدينية الروحية في أماكن العبادة وما هو أقرب إليها إلى اللوحة المسندية الراهنة مثلما هي في الفنون الحديثة، وهذه مسألة ليست خصيصة لفنان بل هي جانب من جوانب استجابة الفنون العربية إجمالا لمتطلبات المعاصرة، بدلاً من أن نقول الحداثة، التي استطاعت أن تأخذ الحروفية العربية من الجدران إلى اللوحة نازعة عنها دورها الوظيفي، ومؤكدة على الجانب الجمالي واقترانه بالروحي، الآخذ باتجاه الصوفية في بعض الأحيان.
هنا من الممكن النظر إلى أعمال الحروفي علي ندا بوصفها نموذجاً من الممكن القياس عليه تبعاً لسويتها الفنية الرفيعة وتوازنها الدقيق الذي يجمع بين عناصر العمل الفني مع السعي إلى إنجاز «بصمة» خاصة ليس في تطوير نوع الخط الذي يشتغل بواسطته، إنه ذريعته الجمالية، بل عبر السعي إلى استحداث زخارف غير مطروقة أو مطروقة سابقاً فيعالج توزعها على السطح التصويري بوصفها هندسة خالصة بطريقة مختلفة وبألوان ترابية وزرقاء وصفراء ضمن تناغم لوني بتدرجات غير نقية تعطي انطباعا مختلفا عن صنيع الفنان.
ضمن هذه الرؤية البصرية لأعمال المعرض، لو صحَّتْ، تندرج في الحروفية الخالصة أعمال الإماراتية إيمان البستكي والعراقي عدنان الشريقي والسوريين عبد الرزاق محمود ومحمد فاروق الحداد الأقرب إلى الشامية منها إلى العراقية، حيث السعي بارز إلى اشتقاق جماليات الخط من استطالاته وإدخال الجانب الزخرفي إلى الكتلة الحروفية المحاطة بزخرفة متقشفة إلى حدٍ ما ضمن إطار يمكن النظر إليه باعتباره قطعة فنية منفصلة تماما عن العمل مع أنها من مكونات نسيج العمل الفني.
أما الفكرة الأساسية الأخرى في المعرض فتتمثل في جعل الحرف العربي علامة أيقونية أو صفة جمالية تسعى إلى نسبة هذا العمل أو ذاك إلى «هوية» ثقافية تمثل «ذاتاً» بعينها هي الذات العربية عبر الكشف عن هوية عربية جامعة.
هنا يمكن القياس على أعمال العراقي مصعب الدوري، فالناظر إليها يجد نفسه على صعيد اللوحة أنه أمام عمل فني، بمجمله، أكثر قرباً إلى لوحة الحداثة بصفتها التجريدية الخالصة، وثمة حروف متناثرة على السطح التصويري بحيث تقوم بكسر إيقاع لوني بهدف إبراز الحرف العربي على السطح التصويري، من دون أن يكون للحروفية هنا أي معنى مكتمل أو حتى ناقص، بل الحرف يقوم بالدور ذاته كما أشير إليه في الحديث عن أعمال سابقة، إنما كما لو أنّ هذا البحث في جمالية الحرف العربي هدفه الأساس هو التركيز على جمالية فردية ينتجها فرد بعينه في إطار هوية ثقافية محددة.
وكما في أعمال المصري حسام عبد الوهاب، إلى حدّ ما وأعمال العراقي حسن الجبوري، على نحو أقرب، فإن عناصر اللوحة لدى الدوري هي ذاتها عناصر اللوحة الحديثة بتجريديتها الخالصة، حيث يقوم البناء التجريدي للعمل على توزيع الكتل اللونية بما يمنحه إيقاعه الخاص به، بالإضافة إلى التنويع في ضربات الفرشاة المتدفقة أحياناً، والأكثر بطئا في أحيان أخرى، ما يخلق تعدداً في الملمس الذي يمكن للمرء أن يدركه بالعين من دون الحاجة إلى تحسسه بالأصابع، أما ما تبقّى من أعمال فيبقى بين المنزلتين على الرغم من أنه قد يكون أكثر ولاء للحروفية العربية.
فهي إما عبارات خطية موزونة طبقاً لمقاييس الخط العربي الكلاسيكي إنما من دون زخرفة أو إطار، كما في عمل الباكستاني طاهر عزيز وعلي الحمادي من جزر القمر من جهة، ومن جهة أخرى ثمة أعمال تمّ بناؤها على التأسيس اللوني لخلفية العمل الفني الحديث مثلما هي الحال في أعمال الإماراتيتين فاطمة سعيد وماجد سليم، والجزائري محمد أسعد، والباكستانيين خالد نفيسي وطاهر عزيز، والعراقيين عدي الأعرجي وندى الهاشمي، مع اختلاف كل واحد منهم عن الآخر في اسلوبيته وقوة حضور عمله بوصفه صنيعاً فنياً.
جريدة الإتحاد